أرشيف

Archive for 20 مارس, 2020

الفيروسات من وجهة نظرٍ مختلفة

الفيروسات من وجهة نظرٍ مختلفة
• هل الفيروسات كائنات حية؟
في هذا العالم الذي نعيش فيه، توجد مجموعة من الأشياء، الفيلةُ والأقمار الصناعية والطماطم، وسمك السلمون والبكتيريا وشاحن هاتفك الخلوي، وعمّك الشجاع الذي انقطع عن التدخين، وهناك الزرافات والفيروسات وجواربُ زوجِك المثقوبة…
كل ما يوجد في هذا الكون يشترك في صفة واحدة، يمكن التعبير عنها في الجملة الآتية: “كل شيء عبارة عن ذَرَّات”.
لكن إذا أردنا تصنيف الموجودات في الكون فيمكننا تصنيفها بعدة اعتبارات، مثلا: موجودات حية وموجودات غير حية.
قد يبدو هذا سهلاً بالنسبة لك إذا طُلب منك تصنيف شاحن هاتفك الخلوي وعمك الذي انقطع عن التدخين إلى كائنات حية وغير حية.
لكنه سيبدو أصعب قليلا إذا طُلب منك تصنيف الإنسان والبكتيريا والجراثيم والفيروسات إلى كائنات حية وغير حية، ما الذي يميز الإنسان عن الأشجار عن الفيروسات؟ هل تعتقد أنك الوحيد القادر على التكاثر؟
لهذا فإن مسألة الحياة ما تزال لغزاً محيرا عند فلاسفة علم الأحياء، والفلسفة عموماً، ولكن..
اعتمد العلماء في الماضي نموذجاً في تصنيف الكائنات الحية إلى خمس ممالك: الحيوانات، والنباتات، والفطريات، والبروتينات، والبكتيريا.
أما حديثاً في علم الأحياء الدقيقة، فقد أصبحنا نُصَنِّف الكائنات الحية في ثلاث مجالات:
•حقيقيات النوى: وهي كل الكائنات التي تحتوي على خلايا مع أنوية داخلها، كالفطريات والنباتات والحيوان، وعمك الذي انقطع عن التدخين..
•العتائق: أو الجراثيم العتيقة، وهي كائنات وحيدة الخلية، بدون نواة، وغالبا ما تعيش في الظروف القاسية مثل البراكين والينابيع الحارة.
•البكتيريا: وهي بدورها كائنات وحيدة الخلية دون أنوية (بدائيات النوى prokarytos)، الفرق بينها وبين عمك الذي انقطع عن التدخين هو أنها لا تذهب في شهر العسل، وإنما تتكاثر عن طريق تكرار حمضها النووي (النسخ) ثُمّ تقسيمه لتشكيل خلية أخرى، كما أنها أصغر من عمّك بعض الشيء، حوالي ستة ملايين مرة.
لكن الفيروسات بدورها لها القدرة على التكاثر، والتحرك، بل الغزو ومهاجمة الكائنات الحية، والتسبب بالأمراض، فهل هي بدورها كائنات حية؟
الجواب: لا.
ليست الفيروسات كائنات حية لسبب بسيط، وهو أنها تتركب من DNA أو RNA، لكنها لا تحتوي على خلايا مثل البكتيريا والفطريات والنبات وبني آدم. فالخلية تعتبر هي الوحدة الأساسية للكائن الحي، لذلك لا تشفق على الفيروسات عندما يطلب منك المتخصصون غسل يديك بالمعقمات والمطهرات، فإنك لن تقوم بقتلها وترك زوجة الفيروس أرملةً تدعو عليك.
• ما الفيروسات؟ وكيف تُمرضنا؟
إضافة إلى كونها غير حية، فهي كذلك لا تتأثر بالمضادات الحيوية ولا تقضي عليها كالبكتيريا.
ثانيا: هي صغيرة جدّا، أصغر من البكتيريا كثيرا، لكن رغم أنها ذات صِغرٍ ميكروسكوبي فهي تستطيع طرح لاعب كمال أجسام على الفراش، بل قتله كما فعل فايروس كورونا، لهذا يجب على الإنسان أن يتواضع قليلاً.
لكن لماذا تهاجمنا الفيروسات؟ ببساطة لأنها تتكاثر كما ذكرنا قبل قليل، ولكي تتكاثر فهي لا تتزوج وتعيش في شقة وتنجب أطفالا، بل تهاجم الخلايا وتحصل منها على المواد الأساسية لتكاثرها، وأنا وأنت وعمك الذي انقطع عن التدخين نتركب من خلايا، وأظن أنك فهمت بقية القصة…
عندما تهاجم الفيروسات الخلايا فهي تؤدي إمَّا دورة اندماج Lysogenic cycle أو تحلل lytic cycle ، بعبارة أخرى: تقوم بقرصنة الخلية، وبعبارة أسهل: يحدث للخلية مثل كعكة عيد الميلاد عندما ينقضّ عمك الذي انقطع عن التدخين عليها.. الأضرار التي تلحق الكعكة تكون بحسب سراشة عمِّك.
فأحيانا قد تتسبب الفيروسات بنزلة بردٍ عابرة، وأحيانا قد تودي بالجسم إلى الانهيار والهلاك.
• الفيروسات الحقيرة
هل تمسك الآن هاتفاً أو حاسوباً بين يديك؟ كن متأكدا أنك تضع يديك على آلاف الفيروسات.. إنها موجودة في كلِّ مكان، وعبر ملايين الأنواع.
في العادة، فإن جهازك المناعي لديه جهاز استخباراتٍ متطور، تماما مثل جيمس بوند وفريق المهمات المستحيلة، يتعرف على الكائنات الدَّخيلة في الجسم ثم يقوم بتدميرها، وفي بعض الأحيان قد يستعين جهاز المناعة إذا كان ضعيفا ببعض العقاقير والأدوية، لكن في بعض الأحيان يواجه نوعاً متمرِّساً من الفيروسات، مثل فيروس نقص المناعة البشري (الإيدز HIV). وغيره من الفيروسات الخطيرة التي تدمر المناعة الجسمية، أو تقوم بإخفاء شفرتها ومعلوماتها الخاصَّة حتى لا يتعرف عليها جهاز المناعة، ثم تقوم بالعبث في الخلايا تماما كما يحدث لجهاز حاسوبك غير المتوفر على نظام حماية.. ما يسهم في ظهور أعراض توحي بوقوع خلل ما في الجسم، كالحمى، والصداع، والإرهاق، وفقدان الشهية..
• كورونا
في الحقيقة، توجد في عالمنا العديد من الأوبئة الأشد فتكا من كورونا، الدبابات والقنابل التي تسقط على رؤوس الأبرياء، التدخين وحرب الطرقات، أمراض أخرى كالسيدا والملاريا والسرطان.. لكن!
لكن الخطير في هذا الفيروس (كوفيد 19) هو قدرته الكبيرة على التكاثر داخل الخلايا وسرعة الانتقال بين الكائنات الحية، يقال أصلا إنه انتقل من الحيوانات (خفافيش أو أفاعي) إلى البشر، وهذه هي العادة الغالبة لانتشار الأمراض المعدية في العالم، لكننا لسنا متأكدين بعد من طريقة انتشار هذا الحقير.
من الناحية العلمية، فإن السبب في سرعة انتقال هذا الفايرس هو أنه يُترجِم مادَّته الوراثية مباشرة إلى بروتينات، بمعنى أنه يستغني عن عملية النسخ، عكس باقي الفايروسات كما ذُكر سابقاً.
والأخطر فيه أن المصاب به لا تظهر عليه أي أعراض قبل عدة أيام (حوالي أسبوعين)، لذلك فإن بقاءك في المنزل أمر مفيد جدا..
-ارتفاع درجة الحرارة
-سعال جاف
-ضيق في التنفس

  • الإرهاق
    إذا شعرت بهذه الأعراض، فإن عليك التواصل مع الجهات المختصة على الفور.
    • ما هو العلاج؟
    إلى حدود كتابة هذا المقال هناك محاولات لإيجاد العلاج (لقاح)، لكن ليس هناك علاج، اللهم الحالات التي تتعافى تلقائيا بمساعدة الجهاز المناعي وقليل من الرعاية، والحجر الصحي حتى لا يتأدى منك ضعاف المناعة، كالأشخاص المسنين، أجِّل زيارة جدتك إن كنت تحبها فعلاً.
    في المقابل هناك طرق للوقاية يعرفها الجميع، كاعتزال الناس قدر الإمكان والنظافة وتجنب التقبيل، خصوصا أصحاب القبلات الرباعية الذين لا يرتاح لهم بال إلا إذا عانقوك حتى تختلف أضلاعك، مع ترك لعابهم على خديك، ولا نتحدث عن إصدار صوت القبلات.. أرجوكم.. ليس هذه الأيام.
    أما “الكمامات” فلا تهدر أموالك في شرائها إن لم تكن مريضاً، تأكد فقط ألا تعطس على أصدقائك في وجوههم، استعمل ذراعك أو أجِّلِ العطسة إلى يوم آخر.
    الأمر المهم في نظري، أن التصرفات الوقائية ضد كورونا ليست موسمية، صحيح أن هذه السلالة جديدة من عائلة فيروسات كورونا، لكن باقي الفيروسات موجودة طيلة السنة، على الأسطح الملوثة، في السعال والعطاس والرذاذ وعلى حواف وسائل النقل والطوابير، وعلى هاتفك وفوق نظاراتك الشمسية، لهذه يجب أن تتحول تصرفاتنا الوقائية (النظافة- اعتزال الناس قدر الإمكان- عدم التقبيل إلا لضرورة!!) إلى عادات دائمة وثقافة مجتمعية..
    • في الأخير
    إذا أردنا النظر من الزواية الإيجابية، فإن هذا الوباء فرصة لإعادة النظر في تصرفاتنا الاجتماعية، وقَبلَها في تصرفاتنا الفردية، فرصة للخلوة مع النفس ومراجعتها، والانعزال عن البشر وتغيير العادات القبيحة، تنظيف القلوب قبل تنظيف الأيادي، تعقيم الضمير مهم جدا..
    فرصة كذلك لقراءة الكتب المفضلة، أخذ جولة في هدوء البادية، الاستمتاع بقلي البطاطس.. والأهم من ذلك كله:
    إنها فرصةٌ للتَّصالح مع الله..
التصنيفات :السجل الوراثي